NEWS

خمسة صحفيين شباب من حول العالم يريدون إعادة كتابة المستقبل
[vc_row][vc_column][vc_column_text] خمسة صحفيين شباب من حول العالم يريدون إعادة كتابة المستقبل أحلام محسن ،   كاثرينا فريك ،   لوكا روفينالتي [/vc_column_text][vc_column_text] يكتب خمس صحفيين شبان من جميع أنحاء العالم – اليمن وجنوب إفريقيا وألمانيا والهند وجمهورية التشيك – حول مخاوفهم وآمالهم لهذه المهنة [/vc_column_text][vc_column_text] حلّ اليمن بالقرب من أسفل قائمة ترتيب حرية الصحافة هذا […]
31 Jul 19

[vc_row][vc_column][vc_column_text]

خمسة صحفيين شباب من حول العالم يريدون إعادة كتابة المستقبل

أحلام محسن ،   كاثرينا فريك ،   لوكا روفينالتي

[/vc_column_text][vc_column_text]

يكتب خمس صحفيين شبان من جميع أنحاء العالم – اليمن وجنوب إفريقيا وألمانيا والهند وجمهورية التشيك – حول مخاوفهم وآمالهم لهذه المهنة

[/vc_column_text][vc_column_text]

حلّ اليمن بالقرب من أسفل قائمة ترتيب حرية الصحافة هذا العام – مرة أخرى – ليحتل المرتبة الـ١٦٧ من أصل ١٨٠ دولة، وفقًا لمؤشر حرية الصحافة. يمكن القول أن العمل الصحفي في اليمن هو مليء بالتناقضات. ففيما قد لا تكون هناك رقابة مباشرة في ظل الحكومة الائتلافية، هناك زيادة في الهجمات على الصحفيين والنقاد.

وصلت إلى اليمن – البلد الذي ولدت فيه ولكن الذي بالكاد أعرفه – من الولايات المتحدة بعد فترة وجيزة من تنحي الرئيس اليمني، علي عبد الله صالح، من منصبه في أوائل عام ٢٠١٢. كنت ناشطة في الولايات المتحدة وشعرت بالدهشة من الطريقة التي فشلنا فيها هناك في الاستمرار في احتلال حتى حديقة عاملة، في وقت كان اليمن فيه قادرا على اسقاط الحكومة بأكملها.

بعد الربيع العربي في عام ٢٠١١، سجّل الصحفيون اليمنيون عددًا من الانتصارات، بما في ذلك تمرير قانون حرية الوصول إلى المعلومات، الذي حرّك أمالاً جديدة في المزيد من الشفافية في عمل المؤسسات الحكومية. كان اليمن هو الدولة العربية الوحيدة غير الأردن التي أصدرت مثل هذا القانون. ولكن، مثلما حدث مع الفترة القصيرة من ازدهار حرية الصحافة بعد إعادة توحيد اليمن في عام ١٩٩٠، فإن الانتصارات غالبا ما لا تدوم، والتقدم المحرز لا يستمر بالضرورة.

منذ أربعة أشهر، تحاول صحيفة “يمن تايمز” التي أعمل فيها الاطلاع على عقود النفط الحكومية مع الشركات الأجنبية والمتعددة الجنسيات. يمكننا طبعا محاولة الوصول إلى المستندات التي تم تسريبها، لكن من المهم استلامها مباشرة من الحكومة، لكي نعرف التفاصيل الكاملة – وأيضًا لكي تكون القرارات المستقبلية شفافة تمامًا.

مع زيادة عدد الصحف وأجهزة الراديو ومحطات التلفاز التي تمولها مختلف الأحزاب السياسية والأفراد المؤثرين، هناك قلق حقيقي بشأن استخدام هذه المؤسسات الإعلامية لنشر الدعاية. في هذا الاطار، تم إغلاق قناة “اليمن اليوم” من قبل الحكومة في يونيو، بعد اتهامها بالتحريض ضد الحكام الحاليين خلال أزمة الوقود في البلاد. على نحو غير معتاد، التزم العديد من منتقدي الرقابة الحكومية الصمت هذه المرة ففشلوا في إدانة هذه الخطوة،  لأن المحطة كانت تخص الديكتاتور السابق صالح. ولكن هذه الخطوة هي مثيرة للقلق. إذ أنه من خلال السماح للحكومة أن تكون هي الحكم فيما يشكّل أو لا يشكّل “موضوعيةً” في التغطية الصحفية، فإننا نسلّم الحكومة سلطة يجب أن تكون في يد الجمهور فقط. لا يمكننا مواجهة الدعاية بالرقابة.  تحتاج الحكومة ليس فقط إلى إنهاء الرقابة، بل يجب عليها أيضًا محاسبة أولئك الذين يضايقون ويهاجمون الصحفيين حتى لا يتم دفعهم نحو الرقابة الذاتية – وهي مشكلة أكبر بكثير من الرقابة المباشرة في اليمن.

كون الصحفية امرأة يعرضها لمشاكل أخرى أيضا. لقد رأيت شابات يهرعن لتغطية تفجير هنا أو اغتيال هناك، مع العلم أنه على الرغم من أنهن قد يصلن قبل غيرهن إلى مكان الحادث، فإن الجنود سوف يحيطون بهن ويحاولون حمايتهن والتركيز عليهن، فيما يتجاهلون زملائهن الذكور. هذه المشكلة هي ذات جذور عميقة، وترتبط بمستقبل النساء بشكل أعمّ. ولكن هناك الكثير مما يدعو الى التفاؤل، حيث يتجه اليمن نحو اعتماد كوتا نسائية نسبتها ٣٠ في المائة من التمثيل في الحكومة، في وقت تواصل فيه المرأة تأكيد حقها في الوجود في المجال العام.

لا شيء مؤكد في اليمن. قد تكون هناك العديد من المسارات المحتملة القادمة، من الانتقال الناجح إلى الديمقراطية الى الحرب الأهلية. لكن رغم كل التحديات والمخاطر المصاحبة للعمل الصحفي في اليمن، فأنا متفائلة بالمستقبل. إذ يعد قانون حرية المعلومات قانونًا راديكاليًا، وإذا ما تم تطبيقه، سيمنحنا الحق في معرفة كل ما تفعله حكومتنا تقريبًا. إذا استطعنا أن نجعل هذا القانون ذا مغزى من خلال استخدامه وليس فقط تركه حبراً على الورق، فإن الصحفيين – والجمهور – سوف يكون لديهم الكثير للتطلع إليه.

كاثرينا فريك   أنجزت سبع دورات تدريبية في ألمانيا فقط لبدء مسيرتها المهنية، ومع ذلك تظل متفائلة بشأن الطرق الجديدة لتمويل وسائل الإعلام

في ألمانيا، مثل العديد من الأماكن الأخرى حول العالم، يتم إغلاق منافذ الأخبار يوما بعد يوم فيما تتدهور أسواق الإعلانات وفيما صناعة الصحف قد فقدت ما يقرب من ربع حجم تداولها في العقد الماضي. لماذا إذن ما زلت أريد أن أكون صحفية؟ لأن الصحافة لم تكن أبدا بقدر هذا الإثارة في السابق!

أنا أتحدّر من عائلة من الصحفيين. عملت أمي وأبي في مجال الصحافة والاتصالات طوال حياتهما تقريبًا. لقد تغيرت أشياء كثيرة منذ الحقبة التي بدآ فيها بالعمل في غرفة الأخبار في صحيفة يومية محلية منذ أكثر من ٣٠ عامًا، وكلاهما يتفق على أن المنافسة الآن هي أقوى بكثير. تم التعاقد مع أمي على الفور في وظيفتها الأولى، دونأن يكون لديها أي خبرة سابقة. هذا يبدو غير وارد اليوم. أما أنا فلقد أجريت سبع دورات تدريبية خلال دراستي – بعضها برواتب منخفضة، والبعض الآخر بلا أي أجر. نصف تلك الدورات التدريبية والوظائف كنت قد حصلت عليها من خلال معارفي وروابطي، والنصف الآخر من دونهم. بدا أن المعارف الجيدة قد أصبحت أكثر أهمية من ذي قبل وهذا شيء أكرهه في هذا المجال. لطالما أردت تحقيق أشياء بمفردي، ولكني أدرك أن العالم لا يعمل بهذه الطريقة. على الأقل ليس إذا كنت تريد الدخول إلى دور الإعلام التقليدية الكبيرة.

لهذا السبب فإنني أميل أكثر وأكثر للتركيز على أساليب جديدة وحديثة في الممارسة الإعلامية، حيث يتم ايلاء أهمية أكبر للأفكار والإبداع أكثر من المعرفة لدى شخص ما، كما هو الحال في الشركات الناشئة في مجال الصحافة. في خضم أزمة تمويل الصحافة، فإن أولئك الذين يمتلكون الأفكار الإبداعية ومهارات تنظيم المشاريع قد اكتسبوا أهمية متزايدة أكثر من أي وقت مضى. لا أعتقد أن هناك حلًا واحدًا لإنقاذ مستقبل الصحافة؛ أعتقد أن هناك العديد من الحلول. لكن الوقت مناسبً الآن لتجربة نماذج الأعمال التي تتبع نماذج مالية وأفكار مختلفة للمحتوى.

في ألمانيا، فإن عدداً قليلاً من القراء هم على استعداد لدفع المال لقاء قراءة المقالات على الإنترنت، وباستثناء قلّة قليلة لم يكن لدى دور النشر الشجاعة الكافية لتجربة نماذج الدفع أو جدران الدفع لقاء الوصول الى محتواها. على سبيل المثال، تستخدم صحيفة “دي فيلت” اليومية “حائط مدفوع شبه-مغلق”، على غرار تلك المستخدمة من قبل صحيفة نيويورك تايمز والصحيفة البريطانية “ذا ديلي تلغراف”، بشكل يتيح للمستخدمين قراءة ٢٠ مقالة على نفس المتصفح مجانًا كل شهر. وقد أعلنت جريدة “سود دويتشه تزايتونغ” وهي احدى أكبر الصحف اليومية في ألمانيا، مؤخرًا أنها ستتبنى نموذجًا مشابهًا بحلول نهاية العام.

أحد المشروعات المبتكرة التي نجحت مؤخرًا في ألمانيا هو مشروع “كراوت ريبورتر” (المراسل التشاركي بالألمانية). تم إطلاق المشروع من قبل ٢٨ صحفي مستقل مشهور نسبياً، الذين أرادوا إنشاء وسيلة اعلامية على الإنترنت تقوم بنشر المقالة الطويلة، دون السعي الى جذب النقرات فقط ودون أي إعلانات، لذا طلبوا من الجمهور أن يقوم بتمويلهم. كان هدفهم جمع ٩٠٠ ألف يورو من ١٥ ألف متابع في غضون ٣٠ يومًا. خلال الساعات الأخيرة من انتهاء مهلة التمويل الجماعي، تبرع عدد كافٍ من الأشخاص بمبلغ ٦٠ يورو لكل منهم. في النهاية، تم جمع أكثر من مليون يورو، وهذا أكبر مبلغ تم جمعه من قبل الجمهور لمشروع صحفي في تاريخ ألمانيا. سوف يجني كل صحفي راتبا قدره ٢٠٠٠ إلى ٢٥٠٠ يورو شهريًا، مما يسمح لهم بالانخراط الكامل في أبحاثهم دون الحاجة إلى القلق بشأن الحصول على تكليفات.

بدلاً من إخفاء كل مقال خلف جدار الدفع، سيكون مشروع “كراوت ريبورتر” متاحًا للجميع، لكن لقاء رسم اشتراك قيمته ٥ يورو شهريًا، يمكن للمستخدمين الحصول على امتيازات خاصة، مثل التعليق على المقالات وحضور الفعاليات والتعرّف على الصحفيين. لا يزال الانخراط والتفاعل مع القراء والمستخدمين على هذا المستوى أمرًا جديدًا بالنسبة لمعظم الوسائط التقليدية ويراقب العديد من الناشرين عن كثب مفهوم عضوية القارئ هذا.

بالطبع، فإن المشاريع الجديدة غالباً ما يعترضها الكثير من الرفض والاعتراض. تم انتقاد مشروع “كراوت ريبورتر” لاحتماله الكثير من الغموض حول التفاصيل والمحتوى الذي كان ينوي نشره في الأيام الأولى، وبسبب خلفيات الصحفيين الذين تم اختيارهم للعمل فيه (معظمهم من الذكور دون تنوع في الخلفيات الثقافية). سوف تقوم صناعة الإعلام الألمانية بمتابعة الموقع عن كثب عندما يتم اطلاقه في أكتوبر. هناك الكثير من التوقعات المعلّقة عليه لكن في رأيي فإن استعدادهم لخلق شيء جديد ومختلف هو الميزة الأهم فيه.

على الرغم من الوضع الاقتصادي، أرفض الاعتقاد بأن الصحافة تموت أو أنني لن أجد وظيفة. الأمر متروك لنا – نحن الصحفيين الشباب – لتغيير الوضع وللتجربة. أنا أدرك، من خلال المشاريع التي شاركت فيها أثناء دراستي، أن هناك جوًا معينًا عند العمل في شركة ناشئة، مثل الديناميكية الجماعية عندما يسير الجميع في نفس الاتجاه. أنا متفائلة جدًا بأنني سأعمل كصحفية في السنوات القادمة. من يعرف كيف سيبدو هذا النوع من العمل في المستقبل، لكنني متأكدة من أنه سيكون مثيراً للاهتمام.

بمواجهة ارتفاع معدلات البطالة في وطنه، قرر الصحفي الإيطالي   لوكا روفينالتي   الانتقال إلى براغ – لكن أخبار المشاهير لاحقته حتى هناك

عندما أصبح العدّاء رومان سيبريل وعارضة الأزياء غابرييلا كراتوكفيلوفا مؤخرا مذيعي أخبار على إحدى شبكات التلفزيون الخاصة الرئيسية في جمهورية التشيك، لم يكن ذلك الأمر جديدًا بالنسبة لي. بعد أن بدأت حياتي المهنية في إيطاليا، اعتدت على هذه المقاربة في العمل الصحفي الفضائحي المهووس بأخبار المشاهير وهي مقاربة يبدو أنها تنتشر في جميع أنحاء أوروبا.

عندما كنت أعمل في القنوات التلفزيونية الخاصة الكبرى في إيطاليا في الألفينيات من القرن الماضي، كانت تلك الفترة قد بدأت تشهد تحول الصحافة إلى منصة للشائعات والقيل والقال، وكانت التقارير مصممة لاستثارة الجمهور. أتذكر أنني أمضيت أياما كاملة على الشاطئ في ريميني، وأنا أجري مقابلات مع أشخاص حول التقنيات المثالية لتسمير البشرة واسأل الفتيات عن استعداداتهن لموسم السباحة.

في عام ٢٠١٠، انتقلت إلى جمهورية التشيك لدراسة القانون لمدة عام في جامعة تشارلز وقررت البقاء هناك في وقت كان يتم تسريح الكثير من أمثالي من عملهم في بلدي. لديّ جذور بولندية، لذلك فأنا لا أشعر بالغربة في أوروبا الشرقية ومن السهل علي تعلّم اللغة. ما زلت أعمل على أساس مستقل مع بعض الشركات في إيطاليا، لكنني أسعى للعمل مع وسائل إعلامية تنشر باللغة الإنجليزية هنا وفي الخارج.

لقد مررت بعدد من التجارب المتنوعة خلال مسيرتي المهنية حتى الان- مثل الانتقال من إميليا رومانيا، في شمال وسط إيطاليا ، إلى ميلان ، ثم في أوائل عام ٢٠١٠، إلى جمهورية التشيك ، حيث أشرف الآن على نادي الصحافة الدولي في براغ. ساعدني ذلك في تكوين فكرة جيدة عن الصحافة متعددة الثقافات، التي تعمل عبر الحواجز الوطنية مع احترام الاختلافات الثقافية. آمل حقًا أن ينمو هذا المفهوم عندما يصبح العالم أكثر عولمة مع ظهور المزيد من المنشورات المحلية بلغات مختلفة، وحيث يتعاون الزملاء الدوليون معًا.

شاركت في تأسيس نادي براغ الصحفي في عام ٢٠١٣ لأنني شعرت أنه يمكن تحسين فرص التواصل هنا ولأن المؤسسات الموجودة لم تكن نشطة بما فيه الكفاية في هذا المجال. لكنني لا أعتقد أنك تحتاج فقط إلى شهادة، أو بطاقة صحفية لتكون صحفيًا، كما هو الحال في إيطاليا. مثلا اضطررت للعمل لمدة عامين قبل أن أتمكن من الحصول على عضوية جمعية الصحفيين الإيطاليين.

ان مستويات البطالة في إيطاليا – التي تبلغ حاليا ١٣ في المائة، أو ٤٣ في المائة بالنسبة لمن تقل أعمارهم عن ٢٥ سنة – لها تأثير كبير على الصحافة. وهذا يعني أيضًا أن الكثير من الناس يبحثون عن عمل في الخارج. قدم ماريو جيوردانو، رئيس تحرير “تي.جي.٤”، أحد البرامج الإخبارية الرئيسية لشبكة “ميديا سيت” في إيطاليا، هذه النصيحة: “الصحافة بحاجة إلى تغيير في العقلية، وليس فقط الأساليب. أولئك الذين يعرفون كيفية إجراء هذا التغيير ما زالوا في المهنة. ضع في اعتبارك أن المبادئ الأساسية للصحافة تبقى كما هي، سواء كنت تستخدم الحمام الزاجل أو التغريد”.

أنا أتفق تماما مع هذا الكلام. لقد أصبحت الصحافة الإيطالية بمثابة حلبة سباق تتطلب من الصحافيين أن يكونوا دائما مواكبين لتطورات المهنة وقابلين للتكيف مع التكنولوجيات الجديدة، في سوق تكاد لا توجد فيه أي مساحة للمواهب الشابة. ويجري الاستعانة بمصادر خارجية للعديد من الوظائف أو بتكليف مقابل أجور زهيدة.

في أول وظيفة لي في غرفة الأخبار التليفزيونية، كنت مترددًا في الانتقال من العمل في الصحافة “الأصيلة” إلى العمل الذي يتضمن أيضًا معرفة تقنيات التصوير، والمعدات التقنية، وتحرير الفيديو، والبث. لكنني الآن أرى أن مهارة العمل كفريق يتكون من رجل واحد قد أصبح أمراً بالغ الأهمية في سوق العمل اليوم.

في مجتمع يكتسب فيه المدونون والصحفيون المواطنون أهمية متزايدة يوما بعد يوم، أصبح من غير المجدي تجاهل التجديد والابتكار. من الضروري فهم التقنيات الجديدة واستخدامها بشكل صحيح، على أمل أن يتمكن القراء من التمييز بين الحقيقة وبين التضخيم، وبين ما يمكن الوثوق به وما لا يمكن الاعتماد عليه.

نتعرض اليوم بشكل متزايد للإغراق من قبل ملايين مصادر المعلومات، حيث يتم خلط الأخبار الحقيقية مع تلك الكاذبة، ومع الإعلانات التي يتم تمويهها كمعلومات وفلسفة الدفع مقابل النقر التي تجعل الكلمات الثلاث الأولى من المقالة هي جوهرها. انني أرى المستقبل مكانًا صعبًا؛ سواء بالنسبة للقراء \، الذين يحتاجون إلى التمييز بين الأخبار وبين ما هو ليس أخباراً، أم بالنسبة للصحافيين، الذين يجب عليهم التأقلم مع المنافسة المتزايدة، ليس فقط من قبل الزملاء المحترفين ولكن حتى من قبل أشخاص يأتون إلى الصحافة من \ مهن أخرى، بما في ذلك عارضات الأزياء والرياضيين.

تعتقد أثنادي سابا   أن هناك مستقبلًا قويًا للصحافة التحقيقية – إذا استطاعت أن تنتزع القدرة على الوصول إلى المعلومات العامة من أيدي المسؤولين الحكوميين

يستند شغفي بالصحافة الى ايماني بحق كل فرد في الوصول إلى المعلومات، وفقًا للمادة ٣٦ من دستور جنوب إفريقيا الذي ينص على أنه: “لكل شخص الحق في الوصول إلى أي معلومات تملكها الدولة ؛ وأي معلومات يحتفظ بها شخص آخر والتي تكون ضرورية لممارسة أو حماية أي من الحقوق”.

لكن اليوم في ديمقراطيتنا الفتية، يتم تجاهل هذا الحق أو الاستخفاف به أو التقليل من شأنه أو اعتباره أمراً مسلماً به من قبل المسؤولين الحكوميين والمجتمع ككل. كصحفية أعمل في جريدة “صنداي سيتي” التي تصدر يوم الأحد، فإنني غالبًا ما أواجه مشكلات في الوصول الى المعلومات أو الحصول على تعليق من الجهات الحكومية. في احدى المناسبات مؤخرا، كافحت كثيرا من اجل الحصول على طلب بسيط يتعلّق بالوصول إلى سجلات المدارس المدرجة حاليًا في خطة التغذية المدرسية في كافة أنحاء البلاد.  وجدت نفسي مضطرة للجوء إلى اقتباس الحقوق القانونية وتذكير المسؤولين بأن هذه المعلومات هي ملك الشعب. بعد عدة أشهر من طلبي، لا زلت أنتظر جواباً دون جدوى.

قامت حكومتنا الديمقراطية بوضع مبدأ حرية المعلومات في قلب الدستور كرد فعل ضد الرقابة التي مورست في ظل نظام الفصل العنصري، لكن هذه الحرية لا تزال تحت التهديد. لقد كان مشروع قانون حماية معلومات الدولة، والمعروف باسم “مشروع قانون السرية”، ولا يزال، موضع خلاف منذ عام ٢٠١٠. كان الهدف منه هو تنظيم المعلومات الرسمية للدولة، والموازنة بين مصالح الدولة وبين الشفافية وحرية التعبير. لكن هذا القانون من شأنه أن يقيد حرية الصحفيين بالتأكيد، اذ أنه تضمّن عقوبات بالسجن للصحفيين والمُبلغين الذين يكشفون عن معلومات سرية. تمت الموافقة على المشروع من قبل البرلمان في عام ٢٠١٣، لكنه لم يقر بعد في صيغة قانون.

ان أحد أكبر هواجسي في المستقبل هو أنه إذا كان حتى الصحفيين أنفسهم يناضلون بهذا الشكل من أجل الحصول على المعلومات، فماذا يترك ذلك بالنسبة لبقية المواطنين في هذا البلد؟ إذا رفضت الإدارات منح حق الوصول إلى السجلات المدرسية، فكيف يمكن للأهالي طلب نفس المعلومات لحماية حقوق أطفالهم؟

انه من المقلق كثيرا أن يصدر السياسيون والسلطات في هذه الأيام بيانات غير عقلانية، مثل مطالبة الجمهور بمقاطعة الوسائل الإعلامية: مثلا، فقد حاول حزب المؤتمر الوطني الأفريقي الحاكم ورابطة شبابه في العامين الماضيين فرض الرقابة على صحيفتي “سيتي بريس” وجريدة” ميل آند غارديان” بشكل منفصل بسبب بعض المواد المنشورة فيهما التي شعروا بأنها مهينة للرئيس أو الحزب. كان هناك كلام أيضًا، من قبل رئيس هيئة البث الحكومية، حول فرض تراخيص وأشكالا من الرقابة على الصحفيين.

أصبح شغفي بصحافة البيانات – أو الصحافة المدعومة بالحاسوب – أقوى بعد حضور مؤتمر حول هذا المجال في مدينة بالتيمور الأمريكية. لقد سمح لي ذلك بالتفكير بشكل نقدي حول الأعداد التي تروج لها الحكومات والهيئات غير الحكومية. لم تترسخ هذه الفكرة بقوة في غرف الأخبار بعد في جنوب إفريقيا، لأنها تعتبر مضيعة للوقت في وقت يتم فيه تقليص الكثير من الوظائف. ولكن هناك بصيص من الأمل. أشار أحد المحررين إلى صحافة البيانات بأنها “التخوم الجديدة” للمهنة، وفي الشهرين الماضيين، تلقيت مزيدًا من الدعم لمتابعة التقارير المستندة إلى البيانات في غرفة الأخبار الخاصة بي.

أتذكر أن أحد القيّمين على المؤتمر الأمريكي أخبرني بأنني محظوظة لأنني آتي من بلد لم تنطلق فيه التقارير المنجزة بمساعدة الكمبيوتر بعد. لم أفهم تماما ما كان يعني ثم أدركت أنه كان يشير إلى حقيقة أن هناك الكثير من المعلومات التي لا يتم الاستفادة منها، وأكوام من السجلات التي تنتظرني لاستخدام المهارات التي تعلمتها عليها.

بهانوج كابال  لدى هذا الصحفي مخاوف بشأن تآكل نزاهة العمل الصحفي في الهند بسبب ممارسات أصحاب وسائل الإعلام والضغوط التي يتعرض لها الصحفيون من أجل الالتزام بخطوط تحريرية معيّنة. 

بشكل متزايد، يشعر الصحفيون في الهند بالعزلة والتهديد – من قبل الزعماء السياسيين والحكومة، ومن جحافل المتصيدين الحزبيين على الإنترنت الذين يخطفون منصات التعليق والتواصل الاجتماعي، وحتى من أرباب عملهم.

تزعم التقارير بأن نائبة رئيس تحرير شبكة “سي.أن.أن – أي.بي.أن”، ساجاريكا غوز، كانت قد تلقت تعليمات من الإدارة في الشركة الأم “نيتوورك ١٩”، بعدم نشر تغريدات ناقدة حول رئيس وزراء الهند الحالي، ناريندرا مودي ، وذلك وفقًا لموقع “سكرول.إن” الإخباري. رفضت غوز تأكيد أو نفي هذا الأمر لمراسل الموقع، لكنها قالت إنها رأت اتجاهًا جديدًا مقلقا حيث يتم تشجيع الانحياز الحزبي بينما “أصبح يتم النظر الى الصحافيين الذين يعتقدون أن السياسي هو خصمهم الطبيعي والذين يشككون في جميع السياسيين بشكل منتظم على أنهم هم المنحازون”.  استقالت غوز في وقت لاحق من منصبها.

يرسم هذا الاتجاه صورة مقلقة للغاية للصحفيين الشباب مثلي، حيث يتم نسف الاستقلالية والنزاهة التحريرية من قبل مالكي ومدراء وسائل الإعلام. وهذا من دون ذكر القصص الكثيرة غير المنشورة عن التفريط التحريري والممارسات غير الأخلاقية التي دائما ما تشكل جزءًا من النقاش في كل مرة يجتمع فيها الصحفيون الشباب لتناول مشروب.

يشعر أحد زملائي السابقين في كلية الصحافة بخيبة أمل شديدة من تجربته في قناة إخبارية شعبية تبث باللغة الإنجليزية في الهند لدرجة أنه قرر ترك الصحافة الإذاعية والعمل في وسائل الإعلام المطبوعة بدلاً من ذلك. قال لي: “إنهم يفضلون أن يبثوا تقارير جميلة على بث تقارير تصب في المصلحة العامة”. وقرر زميل آخر لي كان يعمل في مجلة مطبوعة بارزة، قرر ترك الصحافة كليا والعودة إلى الأوساط الأكاديمية. وكما أشار المحرر السياسي المقال مؤخرا هارتوش سينغ بال، من مجلة “أوبن ماغازين” في مقال افتتاحي: “على الصحفيين الذين يدخلون المهنة اليوم تقديم تنازلات الى المااكين والإدارة في مرحلة مبكرة من حياتهم المهنية لأنهم محرومون إلى حد كبير من الدرع الواقي الذي يوفره عادة رئيس التحرير الجيد”.

يخلف كل ذلك معضلة كبيرة للصحفيين الشباب. هل يجب أن يبقوا في منظمات حيث يكون فيها الاستقلال التحريري ناقصاً؟ مع نضوب الوظائف وندرة المؤسسات الإعلامية الموثوق بها، كيف يمكن للصحفي الشاب أن يبقى في المهنة اذا أراد أن يظل ملتزماً بالصحافة الأخلاقية المستقلة؟ والأهم من ذلك ، ما الذي سوف يحدث لمثل الصحافة الحرة والناقدة عندما يتم تلقين الصحفيين الشباب من خلال أمثلة علنية بأن الصحفي الحرّ الذي لا يفرّط بالمبادئ سرعان ما سيجد نفسه عاطلاً عن العمل؟

هذه أسئلة مهمة لمستقبل الصحافة في بلد أصبحت فيه وسائل الإعلام احدى أكبر ضحايا التهجّم في الخطاب العام. لا يمكن للصحفيين الشباب أن يفعلوا الكثير وهم يرون بيأس كيف يتم جرّ مهنتهم، ومستقبلهم، عبر الوحل من قبل جيل قام مسبقاً بتأمين مستقبله ومدخراته للتقاعد. زد على ذلك التحديات التكنولوجية والاقتصادية التي تواجهها الصحافة بالفعل على المستوى العالمي – مثل التركيز على الانتشار والكمية على حساب النوعية في الصحافة، وتحويل المنتج الصحفي التثقيفي إلى ما يسمّى “محتوى” تبسيطي فارغ المضمون – وسوف تفهم لماذا أجد صعوبة في العتب على صديقي لاختياره العمل في المضمار الأكاديمي المضمون نسبيا. المستقبل أصبح قاتماً.

لكن الصحفيين الشباب ليسوا عاجزين تماما. لقد استجاب الكثير منا من خلال تبنّي العمل الحر، والتخلي عن الأمن الاقتصادي في سبيل اكتساب الحرية في اختيار المواضيع التي نكتب عنها والبقاء اوفياء لأخلاقياتنا. يختار الآخرون العمل في المؤسسات الصغيرة، ولكن المستقلة. كما نقوم بتكوين شبكات غير رسمية لتقديم الدعم المتبادل ومشاركة المعلومات بيننا، سواء عبر الإنترنت أو في الحياة الواقعية، بناء على مبدأ أن تقديم خبرا ما للجمهور هو أكثر أهمية من نشره تحت اسمنا أو تلقّي الثناء من وراء نشره.

ففي مقابل كل موقع هو نسخة من موقع “بازفيد”، فإن الإنترنت يقدّم أيضا مساحات حيث تحصل القضايا التي تتجاهلها وسائل الإعلام الرئيسية على الاهتمام والتحليل الذي تستحقه. تقوم مواقع مثل “سكرول إن” و”ياهو أوريجينالز” بمنح الصحفيين المستقلين الشباب الفرصة للقيام بهذا النوع من الصحافة الأصيلة والمستقلة التي لم تعد وسائل الإعلام التقليدية تهتم بها. لا تزال هذه الظاهرة جديدة وغير مكتملة، لكنها الأمل الوحيد الذي نملكه اليوم من أجل الوصول الى صحافة هندية ليست مملوكة بالكامل لمصالح الشركات والسياسيين.

[/vc_column_text][/vc_column][/vc_row]