NEWS

حياة صحفي في الاعلام الرسمي في إريتريا: كل ما تريد أن تعرف عن طبيعة العمل في الصحف الحكومية الخاضعة للرقابة الشديدة إبراهيم ت. زير
بدأ إبراهيم ت. زير مسيرته في إحدى الصحف الحكومية بعد فرض حظر شامل على وسائل الإعلام المستقلة. يعيش اليوم في المنفى في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث يقوم بالكشف عن المخاطر التي تواجه الكتاب في "أكثر دول العالم خضوعاً للرقابة
09 Jan 20

[vc_row][vc_column][vc_column_text]

مبنى حكومي في أسمرة، عاصمة إريتريا Charles Roffey/Flickr

[/vc_column_text][/vc_column][/vc_row][vc_row][vc_column][vc_column_text]

بدأ إبراهيم ت. زير مسيرته في إحدى الصحف الحكومية بعد فرض حظر شامل على وسائل الإعلام المستقلة. يعيش اليوم في المنفى في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث يقوم بالكشف عن المخاطر التي تواجه الكتاب في “أكثر دول العالم خضوعاً للرقابة

في أوائل عام ٢٠١٦، طُلب من الصحفيين والموظفين الذين كانوا يشغلون مناصب رئيسية في وزارة الإعلام في إريتريا ملء نموذج شخصي مفصل، بما يتضمّن المعلومات المتعلقة بحساباتهم المصرفية، ومكان سكن أسرهم. كان التهديد لهؤلاء الذين يفكرون في مغادرة البلاد واضحاً.

لقد مر أكثر من ١٠ سنوات منذ أن توقفتُ عن العمل في وزارة الإعلام. في تلك الفترة، أصبحت الوزارة جهازاً للإرهاب، حيث تم عسكرتها أكثر من أي وقت مضى وأصبحت أكثر تدخلًا في حياة الصحفيين.

في أبريل، أجرت الصحفية المنفية بيكيريت أبرهة مقابلة مع محطة الإذاعة الإثيوبية “راديو ويغاثا”. قالت أبرهة، التي سُجنت ثلاث مرات، أن أداء صحفيي الدولة يقاس الآن بشكل أساسي من قبل الجيش، وأن العديد من الصحفيين تعرضوا للاعتقال نتيجة لذلك. منذ عام ٢٠١٢، طُلب من الصحفيين أيضاً حضور التدريبات العسكرية وحراسة المكاتب الحكومية.

تحتل إريتريا حاليًا المرتبة الأخيرة (١٨٠) في مؤشر حرية الصحافة لدى منظمة مراسلون بلا حدود وقد وصفتها لجنة حماية الصحفيين بأنها “أكثر دولة خضوعاً للرقابة” في العالم.

كنت صغيراً عندما كانت الصحف المستقلة لا تزال تعمل في إريتريا، قبل حظرها في عام ٢٠٠١. كنت مساهماً نشطاً في واحدة منها، اسمها “زمن”، خلال السنة الأخيرة من دراستي الثانوية. وعدني رئيس التحرير ومعلّمي أمانويل أسرات بأن يعطيني وظيفة عندما أنهي دراستي في الصحافة، لكنه سُجن قبل تخرجي ولم أسمع منه مرة أخرى. بدا احتمال إعادة فتح الصحف المستقلة أمرًا مستبعدًا جدًا، لذلك بدأت في نشر مقال أسبوعي في الصحيفة الحكومية “حداس-إرترا” في أبريل ٢٠٠٣.

سعى عمودي الذي كان تحت عوان “جدول أعمال اليوم” إلى ايصال رسائل معينة على المستوى الرمزي أو التجريدي بالتوازي مع تغطية الأدب والفلسفة والفنون والشباب والسياسة وقضايا الحكم. بطريقة ما، تمكنت من كتابة العمود لمدة ثلاث سنوات، وأنا أمشي على حبلٍ دقيقٍ بين الغموض المتعمد والاهتمام بالسياق الإريتري.

لقد تعلمت اتباع نفس الإجراءات الأساسية. كان رئيس التحرير – الذي كان معروفًا بولائه للسلطات العليا – يسألني عما أكتب وكنت أوجز له المحتوى، مع التركيز على الزاوية التي تفضلها الصحيفة. عندما كنت أقتبس من شخصيات عالمية، كنت أخفف من وقع المادة بالقول: “الكاتب غير محبّذ في الغرب”.

كل أسبوع، عندما كنت أقدّم مقالتي الجديدة، لم يكن رئيس التحرير يعلّق الا بذكر مقالتي من الأسبوع السابق في حال كانت تحتوي على شيء أغضب السلطات (بخلاف ذلك، لم أتلق أي ردود فعل على مدار جميع السنوات منه). كانت رسالته الضمنية هي: “لدي عائلة لأعتني بها فلا تسبّب لي المشاكل”.

من بين ١٦ صفحة بحجم A3 من الصحيفة الحكومية اليومية (بما في ذلك صفحتان للإعلانات المبوبة)، كانت الصفحات الثلاث الأولى فقط تحتوي على تغطية للقضايا المتعلقة بإريتريا، وكانت هذه المقالات جافة ومليئة دائماً بالكليشيهات، مثل القطع الطويلة المبالغ فيها عن مشاريع السدود وكيف أن إريتريا تتقدم رغم كل ما قد يقوله الغرب.

كانت بقية التقارير هي إما مقالات دولية مترجمة من دون صلة تذكر بالبلد، أو غيرها، مثل العمود الذي كتبته، والذي كان يسعى بشكل خفي إلى ايصال الأفكار ولكن دون لفت الانتباه من الرؤساء.

إذا تجاوز الصحفيون الحد، حتى بشكل طفيف، كانوا يواجهون الاعتقال ولم يُسمح لهم باستئناف عملهم إلا بعد “إعادة تأهيلهم”. كما كان وزير الإعلام علي عبده يرسل الصحفيين إلى الاعتقال في سجون الجيش، وهو الأكثر وحشية في البلاد. كما استحدثت وزارة الإعلام نظام دفع معقد للغاية تطلب من الصحفيين المستقلين زيارة ١٣ مكتباً في وزارتين لتحصيل أتعابهم.

لفترة طويلة آثرتُ السلامة وتوّخيت الحذر. كنت على علاقة جيدة مع رئيس التحرير، وكان يتم تقديري كصحفي غزير الإنتاج مستعد للعمل في حالات الطوارئ. استمر هذا الوضع حتى نشرت الصحيفة رسالة قامت بمهاجمة عمودي، قائلة إنها تقوض المجتمع الإريتري. بالنظر الى طبيعة النظام، أدركت أن هذا كان عبارة عن إنذار.

كنت على يقين من أن الشكوى جاءت من وزير الإعلام عبده. خلال السنوات الثلاث التي أمضيتها في حداس-إرترا، لم يكن لي أي اتصال شخصي مع عبده. لم أتصل به أبداً طالباً خدمة أو موافقة، مما قد يكون جريمة لا تغتفر في عينيه. كنت أدرك جيدًا سمعته القائلة بأنه يقرأ جميع الأخبار المحلية ويوافق عليها، ويراقب الأخبار الدولية بهوس يكاد يكون مرضيّاً. كنت أظن أنه لم يقدر مقالاتي. لذلك في اليوم التالي لقراءتي هذه الرسالة، تقدّمتُ باستقالتي إلى رئيس التحرير.

بعد ذلك، أصبح استياء عبده من مقالاتي واضحا بعد أن بدأت الكتابة لمجلة الحزب الحاكم، “حدري” ، والتي لم تكن تحت سيطرته. هاجمني مرتين في الصحيفة الوطنية وقال انني تهديد أمني.

تم رفض طلباتي للحصول على إذن لمغادرة البلاد والحصول على منحة دراسية في إحدى الجامعات الأمريكية. أخيرًا استخدمت شبكتي الخاصة للحصول على موافقة لرحلة دراسية إلى جنوب إفريقيا في عام ٢٠١٢ ومن هناك سافرت إلى الولايات المتحدة الأمريكية، حيث لا ازال هنا اليوم.

هرب وزير الإعلام عبده من إريتريا نفسه في عام ٢٠١٢ وطلب اللجوء السياسي في أستراليا.

في مقابلتها على الراديو في تنزانيا قالت أبرهة إن “وزارة الإعلام هي مؤسسة ميتة في موكب جنازة”. في هذه الأثناء يستمر الصحفيون الإريتريون في العيش في مأزق دائم.

[/vc_column_text][/vc_column][/vc_row][vc_row][vc_column][vc_column_text]أبراهام ت. زير هو المدير التنفيذي لمؤسسة بين إريتريا في المنفى[/vc_column_text][/vc_column][/vc_row]